الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه؛ أنه كان مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعض أسفاره، فأرسل رسولا: قول المؤلف: باب ما جاء في الرقى والتمائم لم يذكر المؤلف أن هذا الباب من الشرك؛ لأن الحكم فيه يختلف عن حكم لبس الحلقة والخيط، ولهذا جزم المؤلف في الباب الأول أنها من الشرك بدون استثناء، أما هذا الباب؛ فلم يذكر أنها شرك؛ لأن من الرقى ما ليس بشرك، ولهذا قال: (باب ما جاء في الرقى والتمائم). قوله: (شرك)، جمع رقية، وهي القراءة؛ فيقال: رقى: رقى عليه ـ بالألف ـ من القراءة، ورقي عليه ـ بالياء ـ من الصعود. قوله: (التمائم)، جمع تميمة، وسميت تميمة؛ لأنهم يرون أنه يتم بها دفع العين. قوله: (أسفاره)، السفر: مفارقة محل الإقامة، وسمي سفرا؛ لأمرين: الأول: حسي، وهوأنه يسفر ويظهر عن بلده لخروجه من البنيان. الثاني: معنوي، وهوأنه يسفر عن أخلاق الرجال؛ أي: يكشف عنها وكثير من الناس لا تعرف أخلاقهم وعاداتهم وطبائعهم إلا بالأسفار. قوله: (قلادة من وتر، أو قلادة)، شك من الراوي، والأول أرجح؛ لأن القلائد كانت تتخذ من الأوتار، ويعتقدون أن ذلك يدفع العين عن البعير، وهذا اعتقاد فاسد؛ لأنه تعلق بما ليس بسبب، وقد سبق أن التعلق بما ليس بسبب شرعي أو حسي شرك؛ لأنه يتعلقه أثبت للأشياء سببًا لم يثبته الله لا بشرعه ولا بقدره، ولهذا أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نقطع هذه القلائد. أما إذا كانت هذه القلادة من غير وتر، وإنما تستعمل للقيادة كالزمام؛ فهذا لا بأس به لعدم الاعتقاد الفاسد، وكان الناس يعلمون ذلك كثيرًا من الصوف أو غيره. قوله: (في رقبة بعير)، ذكر البعير؛ لأن هذا هو الذي كان منتشرًا حينذاك؛ فهذا القيد بناءً على الواقع عندهم؛ فيكون كالتمثيل، وليس بمخصص. * يستفاد من الحديث: 1- أنه ينبغي لكبير القوم أن يكون مراعيًا لأحوالهم؛ فيتفقدهم وينظر في أحوالهم. 2- أنه يجب عليه رعايتهم بما تقتضيه الشريعة؛ فإذا فعلوا محرمًا منعهم منه، وإن تهاونوا في واجب حثهم عليه. 3- أنه لا يجوز أن تعلق في أعناق الإبل أشياء تجعل سببًا في جلب منفعة أودفع مضرة، وهي ليست كذلك لا شرعًا ولا قدرًا؛ لأنه شرك، ولا وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: يلزم أن تكون القلادة في القربة، بل لو جعلت في اليد أوالرجل؛ فلها حكم الرقبة؛ لأن العلة هي هذه القلادة، وليس مكان وضعها؛ فالمكان لا يؤثر. 4- أنه يجب على من يستطيع تغيير المنكر باليد أن يغيره بيده. * * * قوله: (إن الرقى)، جمع رقية، وهذه ليست على عمومها، بل هي عام أريد به خاص، وهوالرقى بغير ما ورد به الشرع، أما ما ورد به الشرع؛ فليست من الشرك، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الفاتحة: وهل المراد بالرقى في الحديث ما لم يدر به الشرع ولوكانت مباحة، أوالمراد ما كان في شرك؟ الجواب: الثاني؛ لأن كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يناقض بعضه بعضًا؛ فالرقى المشروعة التي ورد بها الشرع جائزة. وكذا الرقى المباحة التي يرقى بها الإنسان المريض بدعاء من عنده ليس فيه شرك جائز أيضًا. قوله: (التمائم)، فسرها المؤلف بقوله: (شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين)، وهي من الشرك؛ لأن الشارع لم يجعلها سببًا تتقى به العين. وإذا كان الإنسان يلبس أبناءه ملابس رثة وبالية خوفًا من العين؛ فهل هذا جائز؟ الظاهر أنه لا بأس به؛ لأنه لم يفعل شيئًا، وإنما ترك شيئًا، وهوالتحسين والتجميل، وقد ذكر ابن القيم في (زاد المعاد) أن عثمان رأى صبيًا مليحًا، فقال: دسموا نونته، والنونة: هي التي تخرج في الوجه عندما يضحك الصبي كالنقوة، ومعنى دسموا؛ أي: سودوا. وأما الخط: وهي أوراق من القرآن تجمع وتوضع في جلد ويخاط عليها، ويلبسها الطفل على يده أو رقبته؛ ففيها خلاف بين العلماء. وظاهر الحديث: أنها ممنوعة، ولا تجوز. ومن ذلك أن بعضهم يكتب القرآن كله بحروف صغيرة في أوراق صغيرة، ويضعها في صندوق صغير، ويعلقها على الصبي، وهذا مع أنه محدث؛ فهو إهانة للقرآن الكريم؛ لأن هذا الصبي سوف يسيل عليه لعابه، وربما يتلوث بالنجاسة، ويدخل به الحمام والأماكن القذرة، وهذا كله إهانة للقرآن. ومع الأسف أن بعض الناس اتخذوا من العبادات نوعًا من التبرك فقط؛ مثل ما يشاهد من أن بعض الناس يمسح الركن اليماني من باب التبرك لا التعبد، وهذا جهل، وقد قال عمر في الحجر: وعن عبد الله بن عكيم مرفوعًا: قوله: (التولة)، شيء يعلقونه على الزوج، يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، وهذا شرك؛ لأنه ليس بسبب شرعي ولا قدري للمحبة. ومثل ذلك الدبلة، والدبلة: خاتم يشترى عند الزواج يوضع في يد الزوج، وإذا ألقاه الزوج؛ قالت المرأة: إنه لا يحبها؛ فهم يعتقدون فيه النفع والضرر، ويقولون: إنه ما دام في يد الزوج؛ فإنه يعني أن العلاقة بينهما ثابتة، والعكس بالعكس، فإذا وجدت هذه النية؛ فإنه من الشرك الأصغر، وإن لم توجد هذه النية ـ وهي بعيدة ألا تصحبها ـ ففيه تشبه بالنصارى، فإنها مأخوذة منهم. وإن كانت من الذهب؛ فهي بالنسبة للرجل فيها محذور ثالث وهو لبس الذهب؛ فهي إما من الشرك، أو مضاهاة النصارى، أو تحريم النوع إن كانت للرجال، فإن خلت من ذلك فهي جائزة لأنها خاتم من الخواتم. وقوله: (شرك)، هل هي شرك أصغر أوأكبر؟ نقول: بحسب ما يريد الإنسان منها إن أتخذها معتقدًا أن المسبب للمحبة هوالله؛ فهي شرك أصغر، وإن اعتقد أنها تفعل بنفسها؛ فهي شرك أكبر. * * *
|